الفصل الثالث
كان هناك في وسط شارع كامب ستريت مايقارب خمسة آلاف
شخص ,في مبنى الغولدن ستارز الشاهق بطبقاته الخمس
والثلاثين حيث كان في الطابق العشرين مركز شرطة ونشستر
الحافل بالأحداث .
في صباح ذلك اليوم حث كان نور الشمس يتسلل خلسة عبر
ستار الضباب الرمادي الكثيف الذي يتوج سماء لندن الدائمة
الحركة والنشاط, كان مركز الشرطة يعج بالمفتشين فكل واحد
منهم لديه عمل ما في هذا الصباح لينجزه .وبينما كان كاريلا
جالسا خلف مكتبه يقوم بمراجعة بعض الملفات مع فنجان قهوة
سخن سمع رنين الهاتف رفع السماعة وإذ بالسكرتيرة تخبره
أنه اتصال بغاية الأهمية من سيدة تريد أن تكلمه فطلب منها
تحويل المكالمه.
- هنا المفتش كاريلا كيف أستطيع أن أخدمك سيدتي؟
وبصوت يرتج من الخوف والرعب أجابته:
- سمعت صراخا من المنزل المجاور... إنه منزل االسيد رودجر
ومن ثم اشتعلت النيران في الطابق الثاني...
فقاطعها كاريلا قائلا:
- حسنا ... إهدئي هل طلبت سيارة الإطفاء!؟
- نعم إنها هنا الآن. ولكن سيدي دعني أكمل... قبل اشتعال تلك
النيران سمعت صراخا فنظرت عبر نافذتي ورأيت ابن السيد
رودجر يتشاجر بشكل عنيف مع والده ثم تناول شيئا ما... لم
أستطيع رؤيته جيدا وضربه به إلى أن هوى أرضا ثم أحرق تلك
الغرفة وأظن أنه لاحظ وجودي. أناخائفة جدا من أن يقتلني...
هيا أسرع أرجوك... لاأعرف ماذا أفعل!!
- أعطني العنوان بسرعة.
- إنه 356/غراند ستريت.
- حسنا لا تخافي أنا آت إليك. أوصدي النوافذ وكل الأبواب
لحظات وسنكون هناك.
وعلى الفور وضع كاريلا مسدسه على وسطه وطلب من فريق
المساندة أن يرافقه إلى ذلك المكان. كانت فرجينيا في هذه
الأثناء تتحضر للذهاب إلى مركز الشرطة ونشستر لرؤسة
المفتش كاريلا . وعند وصولها جلست من دون أن يلاحظ أحد
وجودها على المقعد في غرفة الزائرين تراقب وتترقب الفرصة
المناسبة ألا وهي وقت تناول الغداء بحيث يكون عدد المفتشين
أقل لتنفيذ ما جاءت من أجله.
تحت أنظار فرجنيا كان كل مت التحري دانيال وشيرلي وإدوارد
وجورج مأخوذين بطريقة إخبار سكوت المضحكة للقصص
البوليسية. إذ وصلت أصداء ضحكاتهم إلى كل الغرف تقريبا إلى
أن دخل عليهم ألبرت مستوضحا حيث اكتسح الغضب وجهه
وقال:
- ماذا هناك ؟هل كل شي على مايرام؟
فطلب منه إدوارد الهدوء.
- لم كل هذه العصبية!!
فهتف ألبرت بصوت متحجر:
- أهذا هو عملكم هنا أيها المفتشون !؟
فقاطعه شيرلي مع ابتسامه صغيرة:
- خذ الأمور بروية فليس هناك شيء يستحق كل هذا الغضب.
وإذ بجورج يستدير فجأة لروؤية امرأة قد دخلت من دون أن
يسمع أحد منهم وقع خطاها. هي سيدة طويلة ونحيلة الجسم
ذات بشرة سمراء داكنة وشعر أسود ينسدل على كتفيها ترتدي
معطف جلديا أسود يحيث يضفي سواده القاتم شحبا على وجهها
الناعم الصفراوي وسألتهم وفي صوتها نبرة عدوانية :
- هل المفتش كاريلا هنا؟
فأجابها دانيال :
- ليس هنا سيدتي وتابع أنا المتش دانيال كيف أستطيع خدمتك؟
وسألته متجاهلة عرضه :
- هل سيتأخر ؟
- لا نعلم ولكن...
فقاطعته بصوت آمر حسنا سأنتظره هنا.
- ولكن سيدتي...!!
وكررت له:
- سأنتظره هنا ولن يمنعني أحد من ذلك.
قال دانيال وهو يبتسم:
- لكن سيدتي يمنع على الزائرين الانتظار هنا في هذه الغرفة.
يمكنك الجلوس على ذلك المقعد خارجا أعتذر لكن...
صرخت فرجينيا في وجهه بصوت يكاد يصم الآذان لحدته:
-"إخرس".
وإذ بعيون الجميع تحذق بتعجب كبير بتلك السيدة التي ما لبثت
أن تناولت شيئا باردا وقاسيا من حقيبة يدها وسألتهم باستهزاء
كبير:
- هل تعرف أحدكم أيها المفتشون الأعزاء ما هذا؟
وتابعت بسخرية:
- حسنا إنها مادة متفجرة "نيتروجلسرين" وعلى الفور شهرت
مسدسها وصوبته باتجاههم وهتفت:
- ماذا تنتظرون ؟! هيا ارموا سلاحكم جانبا وإلا فسنذهب جميعا
إلى الجحيم..
وهنا اكتسح الذعر وجوه كل الموجودين في تلك القاعة الكبيرة.
عندما طلب منها شيرلي أن تهدأ وقال:
- ضعي المسدس جانبا سيدتي فنحن جميعا أصدقاء وهذا
سيوقعك في ورطة كبيرة.
هزت فرجينيا كتفيها بطريقة غير مبالية وقالت:
- لا أبالي... هيا أعطوني سلاحكم... هيا تحركوا... وإلا
ضغطت على الزناد.
أدرك الجميع حينها أن هناك خطرا كبيرا يوشك أن يفتك بهم.
وبالرغم من مواجهة كل واحد منهم لموقف مماثل فإنهم
شعروابصعوبته. فشيرلي يدرك أن زميله دانيال متزوج حديثا
وزوجته تنتظر مولودها خلال بضعة أيام وإدوارد والد لثلاثة
أطفال وسكوت سيزوج ابنته في منتصف هذا الأسبوع لذا
اضطروا للخضوع لها بوضع أسلحتهم على المكتب أمامها.
- ماذا الآن؟ سألها آلبرت.
ارتسمت ابتسامه ساخرة فوق شفتيها وقالت:
- لماذا؟!
- ليس من شأنك . اسمع هل من أحد غيرنا في هذا الطابق ؟
فأجابه بعد تردد:
- المفتش براين فقط.
- إذا أذهب وأحضره حالا وتذكر أن حياة زملائك وهؤلاء
الرهائن هنا رهن إقدامك على أي عمل طائش.
ذهب آلبرت. وبعد إحضاره براين حدق هذا الأخير بفرجينيا
بقسوة وبشيء من الدهشة. وبالرغم من إشتعال الغضب في
عينيه وبرغبته الجامحة بطرحها أرضا تمالك نفسه وتوجه
نحوها بثقة وسألها:
- ماذا هناك فرجينيا ؟
فقالت باكتئاب:
-أريد الأنتقام وأنت تعرف لم؟!
- هدئي من روعك فهذا لن يساعد زوجك بشيء.
- أعلم أنه لن يساعده بشيء فستيف قد توفي.
وعند سماع براين بهذا غرق في صمت عميق وكأنه علم ما
يجول في خاطرها فقال لها :
- لا يمكنك إلقاء اللوم على كاريلا .
- بلى هو الذي اعتقله في تلك الليله وكان يعلم جيدا بمرضه
حينها.
فرد عليها قائلا:
- كاريلا اعتقله فقط لا يمكنك ...
وقاطعته بصوت قاس وحزين:
- لقد رجوته في تلك الليله أن يؤجل اعتقاله ريثما تتحسن
صحته ولكنه كان قاسيا جدا.
- ولكن فرجينياإنه...
فهتفت:
-ستيف كان مريضا.... افهم ! فقد كان يعاني من نوبة شديدة!!
- فرجينيا بربك!!
- مهما حاولت فلن أتراجع عما أتيت من أجله .
وسألها بسخرية:
- كيف تتوقعين خروجك من هنا بعد قتله؟ هيا أخبرني؟
وبعد صمت أجابته باستهزاء :
- سأخرج لا عليك.
- وهل ستقتلين كل شرطي يعتض طريقك!؟
- لا أهتم .
ونصحها براين قائلا :
- كوني منطقية هل تريدين أن ينتهي بك الأمر على الكرسي
الكهربائي!؟ أهذا ماتنوينه فعلا؟
فأجابته بصوت حزين:
-مالفرق فبموت ستيف انتهت حياتي .
ثم هددته بالجلوس بنبرة قوية:
- الآن إجلس من دون أي حركة .
فجلس مدركا أن هذا هو الأفضل لتفادي أية مغامرة.